فصل: سبب النزول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان من الناس القوي والضعيف والشديد واللين نظر إلى أهل الضعف سبحانه وتعالى فوسع لهم بقوله: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} أي إلا أن تخافوا منهم أمرًا خطرًا مجزومًا به، لا كما خافه نصارى نجران وتوهمه حاطب، فحينئذ يباح إظهار الموالاة وإن كانت درجة من تصلب في مكاشرتهم وتعزز لمكابرتهم ومكاثرتهم، وإن قطع أعظم فإياكم أن تركنوا إليهم! فإن الله سبحانه وتعالى يحذركم إقبالكم على عدوه، فإن ذلك موجب لإعراضه عنكم {ويحذركم الله} أي الملك الأعظم {نفسه} فإنه عالم بما تفعلونه.
وهو الحكم في الدنيا كما ترون من إذلاله العزيز وإعزازه الذليل، وهذا المحذر منه وهو نفسه سبحانه وتعالى- كما قال الحرالي- مجموع أسماء تعاليه المقابلة بأسماء أوصافهم التي مجموعها أنفسهم.
وموجود النفس ما تنفس، وإن كانت أنفس الخلق تنفس على ما دونها إلى حد مستطاعها، فكان ما حذره الله من نفسه أولى وأحق بالنفاسة في تعالي أوصافه وأسمائه أن تنفس على من يغنيه فلا يستغني، ويكفيه فلا يكتفي ويريه مصارف سد خلاته وحاجاته فلا ينصرف إليها ولا يتوجه نحوها، فهو سبحانه وتعالى يعذب من تعرف له بنفسه فلم يعرفه أشد من عذاب من يتعرف له بآياته فلا يعتبر بها، بما أن كل ما أبداه من نفسه بلا واسطة فهو أعظم مما أبداه بالواسطة من نعيم وعذاب، فلا أعظم من نعيم من تعرف له بنفسه فعرفه، ولا أشد من عذاب من تعرف له بنفسه فأنكره- انتهى.
ولما كانت مصائب الدنيا قد تستهان قال سبحانه وتعالى عاطفًا على نحو ما تقديره: فمن الله المبدأ:- وقال الحرالي: ولما كان الزائل أبدًا مؤذنًا بترك الاعتماد عليه أقام تعالى على المتمسك بما دونه حجة بزواله، فلا يستطيع الثبات عليه عند ما تناله الإزالة والإذهاب، ويصير الأمر كله لله، فأعلم أن المصير المطلق إلى الله سبحانه وتعالى، فنم تعرف إليه فعرفه نال أعظم النعيم، ومن تعرف إليه فأنكره نال أشد الجحيم- انتهى؛ فقال-: {وإلى الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {المصير} أي وإن طال إملاؤه لمن أعرض عنه فيوشك أن ينتقم منه. اهـ.

.سبب النزول:

قال الفخر:
في سبب النزول وجوه:
الأول: جاء قوم من اليهود إلى قوم المسلمين ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر، وعبد الرحمن بن جبير، وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر من المسلمين: اجتنبوا هؤلاء اليهود، واحذروا أن يفتنوكم عن دينكم فنزلت هذه الآية.
والثاني: قال مقاتل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره، وكانوا يتولون اليهود والمشركين ويخبرونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
الثالث: أنها نزلت في عبادة بن الصامت وكان له حلفاء من اليهود، ففي يوم الأحزاب قال يا نبي الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فنزلت هذه الآية. اهـ.

.سؤال وجواب:

فإن قيل: أنه تعالى قال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَئ} وهذه صفة الكافر.
قلنا: معنى الآية فليس من ولاية الله في شيء، وهذا لا يوجب الكفر في تحريم موالاة الكافرين.
واعلم أنه تعالى أنزل آيات كثيرة في هذا المعنى منها قوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] وقوله: {لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] وقوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} وقوله: {يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} [الممتحنة: 1] وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71].
واعلم أن كون المؤمن مواليًا للكافر يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون راضيًا بكفره ويتولاه لأجله، وهذا ممنوع منه لأن كل من فعل ذلك كان مصوبًا له في ذلك الدين، وتصويب الكفر كفر والرضا بالكفر كفر، فيستحيل أن يبقى مؤمنًا مع كونه بهذه الصفة.
فإن قيل: أليس أنه تعالى قال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَئ} وهذا لا يوجب الكفر فلا يكون داخلًا تحت هذه الآية، لأنه تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا} فلابد وأن يكون خطابًا في شيء يبقى المؤمن معه مؤمنًا.
وثانيها: المعاشرة الجميلة في الدنيا بحسب الظاهر، وذلك غير ممنوع منه.
والقسم الثالث: وهو كالمتوسط بين القسمين الأولين هو أن موالاة الكفار بمعنى الركون إليهم والمعونة، والمظاهرة، والنصرة إما بسبب القرابة، أو بسبب المحبة مع اعتقاد أن دينه باطل فهذا لا يوجب الكفر إلا أنه منهي عنه، لأن الموالاة بهذا المعنى قد تجره إلى استحسان طريقته والرضا بدينه، وذلك يخرجه عن الإسلام فلا جرم هدد الله تعالى فيه فقال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَئ}.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء بمعنى أن يتولوهم دون المؤمنين، فأما إذا تولوهم وتولوا المؤمنين معهم فذلك ليس بمنهي عنه، وأيضا فقوله: {لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء} فيه زيادة مزية، لأن الرجل قد يوالي غيره ولا يتخذه مواليًا فالنهي عن اتخاذه مواليًا لا يوجب النهي عن أصل مولاته.
قلنا: هذان الاحتمالان وإن قاما في الآية إلا أن سائر الآيات الدالة على أنه لا تجوز موالاتهم دلّت على سقوط هذين الاحتمالين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في كيفية النظم وجهان:
الأول: أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه في تعظيم الله تعالى، ثم ذكر بعده ما يجب أن يكون المؤمن عليه في المعاملة مع الناس، لأن كمال الأمر ليس إلا في شيئين: التعظيم لأمر الله تعالى، والشفقة على خلق الله قال: {لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين} الثاني: لما بيّن أنه تعالى مالك الدنيا والآخرة بين أنه ينبغي أن تكون الرغبة فيما عنده، وعند أوليائه دون أعدائه. اهـ.

.قال ابن عطية:

هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو فيما يظهره المرء فأما أن يتخذه بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن، والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان، فالنهي إنما هو عبارة عن إظهار اللطف للكافر والميل إليهم، ولفظ الآية عام في جميع الأعصار. اهـ.

.قال الألوسي:

{لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء} قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو. وكهمس بن أبي الحقيق وقيس بن زيد والكل من اليهود يباطنون نفرًا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم فأبى أولئك النفر إلا مباطنتهم وملازمتهم فأنزل الله هذه الآية، وقال الكلبي: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى الآية ونهى المؤمنين عن فعلهم.
وروى الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريًا نقيبًا وكان له حلفاء من اليهود فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهر بهم على العدو فأنزل الله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ} الخ، والفعل مجزوم بلا النهاية، وأجاز الكسائي فيه الرفع على الخبر والمعنى على النهي أيضا وهو متعد لمفعولين، وجوز أن يكون متعديًا لواحد فأولياء مفعول ثان، أو حال وهو جمع ولي بمعنى الموالي من الولي وهو القرب، والمراد لا يراعوا أمورًا كانت بينهم في الجاهلية بل ينبغي أن يراعوا ما هم عليه الآن مما يقتضيه الإسلام من بغض وحب شرعيين يصح التكليف بهما وإنما قيدنا بذلك لما قالوا: إن المحبة لقرابة أو صداقة قديمة أو جديدة خارجة عن الاختيار معفوة ساقطة عن درجة الاعتبار، وحمل الموالاة على ما يعم الاستعانة بهم في الغزو مما ذهب إليه البعض ومذهبنا وعليه الجمهور أنه يجوز ويرضخ لهم لكن إنما يستعان بهم على قتال المشركين لا البغاة على ما صرحوا به، وما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر فتبعه رجل مشرك كان ذا جراءة ونجدة ففرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فلن أستعين بمشرك» فمنسوخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم واستعان بصفوان بن أمية في هوازن، وذكر بعضهم جواز الاستعانة بشرط الحاجة والوثوق أما بدونهما فلا تجوز وعلى ذلك يحمل خبر عائشة، وكذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس في سبب النزول وبه يحصل الجمع بين أدلة المنع وأدلة الجواز على أن بعض المحققين ذكر أن الاستعانة المنهي عنها إنما هي استعانة الذليل بالعزيز وأما إذا كانت من باب استعانة العزيز بالذليل فقد أذن لنا بها، ومن ذلك اتخاذ الكفار عبيدًا وخدمًا ونكاح الكتابيات منهم وهو كلام حسن كما لا يخفى.
ومن الناس من استدل بالآية على أنه لا يجوز جعلهم عمالًا ولا استخدامهم في أمور الديوان وغيره وكذا أدخلوا في الموالاة المنهى عنها السلام والتعظيم والدعاء بالكنية والتوقير بالمجالس، وفي فتاوى العلامة ابن حجر جواز القيام في المجلس لأهل الذمة وعد ذلك من باب البر والإحسان المأذون به في قوله تعالى: {لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم في الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8] ولعل الصحيح أن كل ما عده العرف تعظيمًا وحسبه المسلمون موالاة فهو منهي عنه ولو مع أهل الذمة لاسيما إذا أوقع شيئًا في قلوب ضعفاء المؤمنين ولا أرى القيام لأهل الذمة في المجلس إلا من الأمور المحظورة لأن دلالته على التعظيم قوية وجعله من الإحسأن لا أراه من الإحسان كما لا يخفي. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

العامة على قراءة {لا يَتَّخِذْ} نَهْيًا، وقرأ الضَّبِّيُّ {لا يَتَّخِذُ} برفع الذال- نفيًا- بمعنى لا ينبغي، أو هو خبر بمعنى النهي نحو: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} [البقرة: 233] و{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ} [البقرة: 282]- فيمن رفع الراء.
قال أبو البقاء وغيره: وأجاز الكسائيُّ فيه رفع الراء على الخبر، والمعنى: لا ينبغي.
وهذا موافق لما قاله الفرَّاء، فإنه قال: ولو رَفَع على الخبر- كقراءة مَنْ قرأ: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} جاز.
قال أبو إسحاق: ويكون المعنى- على الرفع- أنه مَنْ كان مؤمنًا، فلا ينبغي أن يتخذ الكافرَ وليًا؛ لأن ولي الكافر راضٍ بكُفْره، فهو كافر.
كأنهما لم يَطَّلِعَا على قراءة الضبي، أو لم تثبت عندهما.
و{يتخذ} يجوز أن يكون متعديًا لواحد، فيكون {أوْلِيَاءَ} حالًا، وأن يكون متعديًا لاثنين، وأولياء هو الثاني.
قوله: {مِن دُونِ المؤمنين} فيه وجهان:
أظهرهما: أن {مِن} لابتداء الغايةِ، وهي متعلقة بفعل الاتخاذ.
قال علي بن عيسى: أي: لا تجعلوا ابتداءَ الولايةِ من مكانٍ دون مكان المؤمنين.
وقد تقدم تحقيقُ هذا، عند قوله تعالى: {وادعوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ الله} في البقرة [الآية 23].
والثاني- أجاز أبو البقاء- أن يكون في موضع نصب، صفة لِـ {أوْلِيَاءَ} فعلى هذا يتعلق بمحذوف.
قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} أدغم الكسائيُّ اللام في الذال هنا، وفي مواضع أخَر تقدم التنبيه عليها في البقرة.
قوله: {مِنَ الله} الظاهر أنه في محل نصب على الحال من {شَيءٍ}؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له.
{فِي شَيءٍ} هو خبر {لَيْسَ}؛ لأن به تستقل فائدةُ الإسنادِ، والتقدير: فليس في شيء كائن من الله، ولابد من حذف مضافٍ، أي: فليس من ولاية الله.
وقيل: من دين الله، ونظَّر بعضُهم الآيةَ الكريمةَ ببيت النابغةِ: [الوافر]
إذَا حَاوَلْتَ مِنْ أسَدٍ فُجُورًا ** فَإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِني

قال ابو حيّان: والتنظير ليس بجيِّدٍ؛ لأن منك ومني خبر لَيْسَ وتستقل به الفائدةُ، وفي الآية الخبر قوله: {فِي شَيءٍ} فليس البيتُ كالآيةِ.
وقد نحا ابن عطية هذا المنحى المذكورَ عن بعضهم، فقال: فليس من الله في شيء مَرْضِيِّ على الكمالِ والصوابِ، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ، تقديره: فليس من التقرب إلى الله والثواب، وقوله: {فِي شَيءٍ} هو في موضع نصبٍ على الحالِ من الضمير الذي في قوله: {فَلَيْسَ مِنَ الله}.
قال أبو حيّان: وهو كلام مضطرب؛ لأن تقديره: فليس من التقرُّب إلى الله يقتضي أن لا يكون {مِنَ اللهِ} خبرًا لِلَيْسَ؛ إذْ لا يستقل، وقوله: {فِي شَيءٍ} هو في موضع نصبٍ على الحال يقتضي أن لا يكون خبرًا، فيبقى ليس- على قوله- ليس لها خبر، وذلك لا يجوز، وتشبيهه الآية الكريمة بقوله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» ليس بجيِّد؛ لما بينَّا من الفرق بين بيت النابغة، وبين الآية الكريمةِ.
قال شهاب الدين: وقد يجاب عن قوله: إن {مِنَ اللهِ} لا يكون خبرًا؛ لعدم الاستقلال بأن في الكلام حذفَ مضافٍ، تقديره: فليس من أولياء اللهِ لا يكون خبرًا؛ لعدم الاستقلال بأن في الكلام حذفَ مضافٍ، تقديره: فليس من أولياء اللهِ؛ لأن اتخاذَ الكفار أولياء ينافي ولاية الله- تعالى-، وكذا قول ابن عطية: فليس من التقرُّب، أي: من أهل التقرب، وحينئذٍ يكون التنظير بين الآية، والحديث، وبيت النابغة مستقيمًا بالنسبة إلى ما ذكر، ونظير تقديرِ المضافِ هنا- قوله: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36]، أي: من أشياعي وأتباعي، وكذا قوله: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني} [البقرة: 249] أي: من أشياعي وقول العرب: أنت مني فرسخين، أي: من أشياعي ما سرنا فرسخين، ويجوز أن يكون {مِنَ اللهِ} هو خبر ليس و{فِي شيءٍ} يكون حالًا منالضمير في لَيْسَ- كما ذهب إليه ابن عطية تصريحًا، وغيره إيماءً، وتقدم الاعتراض عليهما والجواب.
قوله: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ} هذا استثناء مُفَرَّغ من المفعول من أجله، والعامل فيه {لا يَتَّخِذْ} أي: لا يتخذ المؤمنُ الكافرَ وليًّا لشيء من الأشياء إلا للتقيةِ ظاهرًا، أي: يكون مواليه في الظاهر، ومعاديه في الباطن، وعلى هذا فقوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} وجوابه معترضٌ بين العلةِ ومعلولِها وفي قوله: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ} التفات من غيبةٍ إلى خطابٍ، ولو جرى على سنن الكلامِ الأول لجاء الكلام غيبة، وذكروا للالتفات- هنا- معنى حسنًا، وذلك أن موالاةَ الكفارِ لما كانت مستقبحةً لم يواجه الله- تعالى- عباده بخطاب النهي، بل جاء به في كلام أسْندَ الفعل المنهي عنه لغيب، ولما كانت المجاملة- في الظاهر- والمحاسنة جائزة لعذرٍ- وهو اتقاء شرهم- حَسُنَ الإقبال إليهم، وخطابهم برفع الحرج عنهم في ذلك.